الاثنين، ١٠ ديسمبر ٢٠٠٧

أحداث حرب 1956 على مدينة القاهرة

القـاهـرة

اشتعلت نيران الحرب فى القنال وابتدأت الغارات ودوت صفارات الإنذار وانطلقت المدافع بقوة والجمهور يسير فى حياته العادية كما كان قبل الحرب دون رهبة ولم يتغير شىء فيه ولم يتبدل .

والأطفال الذين كانوا يلعبون ظلوا فى أماكنهم والناس الذين كانوا يسيرون فى الشوارع أخذوا من حين إلى حين يتطلعون وينظرون إلى السماء ويترقبون ، وكان يفلت منهم الزمام فقط فى اللحظات المثيرة عندما تحترق طائرة وتهوى أو يسقط طيار بالمظلة ، وعندئذ ترى الجموع تنطلق وتتجمع كالروافـد من الشوارع الجانبية كلها لتصب فى مكان الحادث هادرة صاخبة كموج البحر الهائج الذى لا يرده شىء .

ففى قصة "سيدة وفنان"
وبطلها رسام شاب يبحث فى المكتبات عن اللوحات التى تلهب حواسه فى فترة المعركة ، وفكر فى أن يشترك فى المعركة بريشته ويرسم اللوحات التى يثير بها مشاعر الناس ضد الاعداء ويبـين فظاعتهم ووحشيتهم ، وحرب السويس مشتعلة على اشدها والطائرات تلقى القنابل فى كل ساعة .

هذا الفنان عندما ركب الاتوبيس وهو فى طريقه إلى المكتبة وجـد الركاب يتحـدثون عن الحـرب ، وكل راكـب يتحـدث عنهـا كأنه اشترك فيها فعلا أو كأن الميدان قد انتقل إلى الشارع الذى يسـكن فيه .

ويقول "كان الركاب يتحدثون عن طـائرة سقطت فى الصبـاح بجوار كنيسة " سانت فاتيما " بمصر الجديدة .. وكانت الجموع تود أن تفتك بالطيار الذى هبط بالمظلة ، قريبا من مكان الطائرة التى احترقت ولكنها ضبطت أعصابها وسلمته حيا لرجال الشرطة ، كما تحدث الركاب عما قليل عن طائرة سقطت قرب المرج وأخرى فى امبابة ، وطيار سقط .. قريبا من سوق التوفيقية .. " .

ولما بلغ المكتبة " كان الخواجه البير " صاحب المكتبة يتحدث عن طيار فرنسى سقط عند مصلحة التليفونات وحاصره الجمهور ليمنع عنه الاعتداء حتى يصل البوليس . ودخل فى جوف المكتبة ينظر فى صفوف الكتب التى أمامه .

ويقول "وعادت الصفارات تزعق مرة أخرى وأنا أنظر فى صفوف الكتب التى أمامى وأفكر فى أن الذى اخترع آلات الدمـار التى تلقى علينا الآن على شكل قنابل ومفرقعات ، هو عقل بشرى متفتح دون شك .. وكان غرضه الأول هو خير الإنسانية .. ولكن الشياطين هم الذين حولوا هذه الاشياء إلى آلات للدمار تسـحق الإنسـان نفسـه .. الذى اخترعها وقتل الروح الطيبة من البشر ، فياللعجب ، ويالذل الإنسـان عندما يسـيـطر الشــياطين على المـوقف ويصــبح فى يدهـم الزمــام .. ".

اشتد الضرب وانطلقت المدافع بقوة ، وأخذت الطائرات المغيرة تلقى القنـابل المدمرة والحـارقة على السـكان ، فجرى الناس فى الشوارع ، ونزل الركاب من وسائل المواصلات واحتموا بمداخل البيوت وتحت باكيهات الشوارع وفى داخل المخابىء .

وكانت الطائرات المغيرة تضرب المارة فى الشوارع بالمدافع الرشاشة وتحلق على ارتفاع منخفض ، وتسير فوق العمارات وتنـزل إلى الفضاء بين البيوت وينطلق الرصاص ويسدد إلى الطائرات من فوق أسطح المنازل والشرفات ليتمكنوا من اصابتها .

وعاد الراوى إلى بيته اثناء سير الطائرات فوق البيوت مباشرة ، ويقول فى قصة " النور " :
" ولما دخلت من الباب حذرنى الناس من الصعود إلى فوق لأن الرصاص يتساقط كالمطر ، فوقفت معهم فى المدخل .. وهنا أصيبت طائرة وأخذت تهوى وهى مشتعلة ورأى النــاس الذى اصابهـا وكان فى الطابق السابع من بيتنا .."

ويتعجب بطل قصة " اللوحة " من روح الشر التى تحرك المعتدين ويريد أن يرى تلك الوجوه التى تدمر البيوت وترسـل الصواعق من السماء على شعب مسالم يحـب السـلام ولا يعرف تلك الروح التى تحركهم ، ويسمع هاتفا بأن مواجهة الشر يجـب أن تكون بقلب صلد .

ويقول :
" ولكن هنـاك أناس فى العـالم يصنعون الحروب ويقتلون النساء والأطفال ..... اذا واجهناهم بوداعتنا وحمامة السلام التى على وجوهنا سحـقونا ، وإذا أرسلنـا عليـهم الصواعق من السـماء وصفونا بالتوحش .. " .

كان الجنـود المصريين يرابطون فى مواقعـهم على رأس الشوارع والطائرات تغير وتلقى القنابل والرصـاص يدوى أو يصفر ، واشتد ضرب النار ، وبدأت معركة رهيبـة ، وشباب الحرس الوطنى حاملين البنادق يقيمون المتاريس ويحملون للجنود المحاربين الماء ويتحركون فى المنطقة ولا يخيفهم الرصاص المتساقط فوقهم .

ويحكى الراوى فى قصة " فى الجبهة " عن احـدى السيدات كان لديها ولدين وبنت ، والابن الأكبر يقاتل اليهود فى سيناء والأصغر تطوع فى الحرس الوطنى والبنت أرادت أن تشترك بعمل إيجابى فتطوعت للعمل بالمستشفيات ، ولما رأت الأم أن الجميع يشـتركون فى جبهة القتال جمعت حولها الأطفال فى المخبأ وقت الغارة وأخذت تقص عليهم الأحاديث الممتعة ، حتى نسى الأطفال الظلام والخوف .

وكانت تسكن فى الدور الخامس من حى القلعة ، ونظرت من شرفة مسكنها :

" فبدت المدينة الجبارة تحتها .. بكل جمالها وجبروتها .. بدت المآذن والقباب وبروج الكنائس والعمارات الشاهقة والحدائق والفنادق .. وبدا النيل الخالد .. وعلى جانبيه الأرض الخضراء .. بدت الإنسـانية الوادعة وحضارة قرون .. " وشعرت الأم بالفخار والزهو فى أن أصغر الأبناء تطوع فى الحرس الوطنى ليدافع عن هذا التراث .

وفى الليل عندما تدوى صفارة الإنذار وتطفأ المصــــابيح
ويخيم الظلام وينـزل الناس إلى الطابق الأرضى ، يفتح ساكنيها أبواب بيوتهم للاحتماء بداخلها .


ويحكى الراوى فى قصة " الماس
عن سقوط القنابل بجوار إحدى العمارات الكبيرة ، فأخذ السكان فى صباح اليوم التالى يرحلون الأطفال والنساء إلى الريف ، وفضلت إحدى السيدات البقاء فى العمارة بعد أن ذهب زوجها إلى الميدان لتكون قريبة منه وتعرف اخباره وأصبحت وحيدة فى الطابق كله هى وطفلها الرضيع ، وكانت تظل فى شقتها بعد صفارة الإنذار ، ثم أصبحت تخاف من الجدران المظلمة ، فأخذت تنـزل إلى الطابق الارضى فتجد البواب وثلاثة من السكان يتحدثون عن الغارات وطائرات الأعداء التى تسقط كالذباب ، وكل منهم يروى قصـة فـذة من قصص البطولة لشعب يقـاتل وحـده ثلاث دول مجتمعة . وكل رجل فى العمارة يتطوع لخدمتها ويخرج والطائرات تلقى القنابل ليأتى للطفل باللبن .

" وكان يسكن بجوار السلم مباشرة شاب مصرى يعيش وحيدا ، وعندما يراها وعلى ذراعها الطفل يخرج لها كرسيا من شقته ، وكانت الغارات تمتد إلى نصف الليل ، وعرض عليها الشاب أن تسـتريح فى شقته حتى لايتعرض الغلام للبرد ، وفى كل ليلة تلاحظ أن الشاب بعد أن يدخلها ويدعها فى أمان ، ينسحب ويقف فى الخارج مع البواب ومن بقى من الرجال فى العمارة ، وشعرت بارتياح كبير فالجميع يعاملونها بانسانية وشهامة الرجل مع امرأة وحيدة " .

ومن السكان من كان يرفـض النـزول من مسكنه ويفضل البقاء بداخله ، كبطلة قصة " الاشارة " التى تقول
" إن الناس اذا اجتمعوا فى مكان واحد ، يتسلط عليهم خوف واحد من عدو مشترك .. الموت .. ويصبح حديثهم كله عن حوادث الغارات .. " .

وكبطلة قصة "النـور" التى تظل فى مسكنها أثناء الغارة وقد شاهدها الراوى من نافذة المطبخ بعد انتهاء الغارة وهى تتحرك فى شقتها ، فأدرك أنها لا تنـزل مهما اشتد الضرب وكان يحسدها على سكينتها وهدوء أعصابها .. ويقول :
"الواقع أن حالتها كانت أحسن بكثير من حالنا فيما يبدو لى فانها تشغل نفسها فى بيتها بأى شىء .. وتحرك يديها ورجليها .. أما نحن فكنا نجلس فى البدرون فى سكون وكأننا ننتظر حكم الإعدام .. نصمت صمت الموتى ساعة كاملة دون أن تتحرك لنا جارحة ثم نتحدث ثلاثة .. ثلاثة .. فى نفس واحد ..

وكنت أسمع الأحاديث المعادة والأخبار التى سمعتها بحذافيرها فى الصباح ، وفى سبع حالات من تسع يظهر شخص عبقرى فيحدثك وأنت محشور وسط هذه الكتل البشرية عن خطر الغارات والقنابل المباشرة التى لاتبقى ولا تذر .. وخطر التدخين على الأخص والتطلع من باب المخبأ .. فان هؤلاء العبـاقرة لازمة لصـفارات الإنذار .. ويظهرون كمراقبى الرقابة المدنية بمجرد حدوث الغارة ، وكل هؤلاء من الذين انخلعت قلوبهم .. والذين دمرت أعصابهم فى تصور حالات الموت البشع بكل صوره الشنيعة .. ومنهم من يسرح به الخيال ويذهب بعيدا جدا فيترك حرب سنة 1939 بكل فظاعتها وهولها .. ويحدثك عن حرب 1914 .. وعن أستاذ فى جامعة هامبرج .. دمر الجامعة بأسرها لأنه اشتاق أن يدخن سيجارة فى اللحظة التى مرت فيها الطائرات البريطانية فى سماء المدينة ".

ويحكى الراوى فى قصة " العملاق " عن طبيب خرج من بيته فى ساعة متأخرة من الليـل لانقـاذ امرأة فى حالة وضـع متعسر ، واسرع بسيارته ، وكان الظلام كثيفا وقت حدوث الغارة وانقطعت الرجل عن الطريق ، وصدم شخصا يعبر الشارع فأوقف السيارة ونزل واتجه إلى الرجل وكان مكوما بجوار الرصيف وحرك كتفه ليريحه فى رقدته وتبين ملامحه تحت نور السماء وضوء القذائف ، فألفاه عجوزا أشيب يرتدى جلابية فوقها معطف قديم وقد طار غطاء رأسه ، فتلفت حواليه ليجد إنسـانا يعينه على نقـل المصاب إلى السيارة ، فلم يجد ، وتركه على حـاله ، وركب سيـارته وانطلق ، فقد تسلط عليه الشيطان وسط الظلام ، وبدلا من أن يحمل الرجل إلى المستشفى ، تركه وهرب . ويقول الطبيب لزوجته حينما رأته صامتا أخرس ووجهه يفور بالدم ويغالب الدمع ويحبس شيئا فظيعا فى صدره :

" لا أستطيع أن أنطق .. لقد شل لسانى .. من مجـرد التفكير فى أنى قتلت إنسانا .. خطأ ومن غير قصد .. ولا أدرى كيف يثـير هؤلاء الحروب .. ويقتلون روح البشر .. ماذا يقولون لجنودهم وهم يغيرون الآن علينا .. ماذا يقولون لهم .. ليدمروا البيوت .. ويقتلوا الأطفال ، ماذا يقولون لهم ..... إنهم يخدعونهم بالطبع .. ويصورون لهم الأحلام فى الشرق .. يحلمون بليـالى هارون الرشـيد ولكنهم سيموتون .. وسيصبحون جيفا .. وتأكل منهم النسور".

وامتلأت قلوب النـاس بالكراهية لرعايا الدول الموجودين فى مصـر ، ففى قصة " سيدة وفنان "

اعتقد الراوى أن الفتاة التى قابلها فى المكتبة يهودية ، وانتابه شعور بالكراهية لم يستطع دفعه ولا مقاومته رغم جمالها الصارخ ، فأقصر معها فى الحديث وعندما أرته جواز السفر وبجانبها صورة زوجها ، اكتشف انها مصرية صميمة واسمها جيهان ، وفاتحته فى انها ذاقت العذاب لأن الناس يتصورون أنها يهودية ، وفى الأتوبيس لم يتحـدث معها إلا قليلا لأنها لا تستـطيع أن تتحدث باللهجة المصرية الدارجة

.. ويقول " كان حديثها بالعربية فيه لكنة الاجـانب .. وخشـيت إن تحدثنا بالفرنسية يتصور الناس أنها فرنسية فى جـو كان مشـحونا بالكراهية للفرنسيين .. فجلسنا صامتين ، وكنا نستمع إلى أحاديث الناس عن الحرب دون أن نعلق عليهـا ، وكان فى السيارة راديو .. يذيع الأخبار فى كل لحظة " .

وتعرف الراوى فى قصة " الإشارة " على فتاة أجنبية قابلها وهو فى طريقه إلى بيته بضاحية مصر الجديدة وفى ليلة اليوم الثانى من المعركة فى القنال ، وكان يتناول معطفه وبندقيته ويتهيـأ للخروج للانضمام إلى زملائه فى الحرس الوطنى وجد الفتاة على الباب وتحمل حقيبتها ، فسر لأنها فكرت فى المجىء اليه لتؤنسه ، وقالت له :

" رأيت الناس ينظرون إلىّ فى الشارع بقوة .. فقلت لنفسى لعلهم تصوروا أننى يهودية .. لأننى لا أضع الصليب على صدرى .. وخفت .. وجريت اليك " .

وفى ضاحية عين شمس والظلام ثقيلا والمدافع تدوى بشدة يقول الراوى فى قصة "سيدة وفنان" :

" كان رجال المقاومة الشعبية ببنادقهم وخوذاتهم يروحون ويغدون تحت البيت والمتاريس قائمة .. والخنادق الصغيرة محفورة فى الشـارع ، وأكياس الرمل على النواصى وتحت الشجر .. وكمنت الدبابات الكبيرة والمدافع السريعة الطلقات ، وكمن رجال القناصة الذين سيتصيدون جنود المظلات ..... والأنوار الكاشـفة تلحس السـماء .. وتضىء أعالى البيوت .. وكانت قوافل السيارات والدبابات تتحرك هناك قريبا منا فى الشارع الرئيسى متجهة إلى ميدان المعركة ..... كل شىء كان ينقلب فى الضاحية ويوحى بأننا فى قلب الميدان " .

وفى ضاحية مصر الجديدة كان الضرب شديدا وتركز الضرب على المطارات ، وكانت الطائرات التى فيه عبارة عن هياكل خشبية ، مما يدل على علمهم الدقيق بموقعه .. ويقول الراوى :

" كان الظلام رهيبا .. والبيوت تبدو كالجبال السوداء والأشجار كالأشباح وكانت الرجل تنقطع فى المنطقة من الغروب .. ولا تسمع إلا صوت صفارة الإنذار وهمسات الجنود فى الخنادق القريبة .. وومضة سيجارة من حين إلى حين وقد يشق الظلام .. لسان طويل من الضوء .. وتظهر عربة من عربات السلاح وهى فى طريقها إلى خط النار ..

وكنت مكلفا بالمرور على ثلاثة شوارع رئيسية فى المنطقة .. ولمحت من بعيد عربة تتوقف .. قريبا من الصحراء .. وقدرت أنها تعطلت أو ضلت الطريق فاقتربت منها ووجدتها دبابة ضخمة ذاهبة الى الميدان وعرفت السائق الطريق فدار دورتين ثم اخذ الشارع الرئيسى . ومرت بعده قافلة من العربات والسيارات وهى تسرع الى الميدان " .

ودوت صفارة الإنذار ، وسمع صوت طائرات الأعداء فوقه ، فاستـدار ، وظهر له وهو يستـدير نورا انبعث لحظة من الوجهة الخلفية لسطح بيته ، فركز بصره ، ورأى بطارية ترسل أضواء إلى أعلا ، وبعد لحظات تأكد أنها إشارات ضوئية ترسل إلى طائرات الاعداء " ..

ويقول فى نهاية القصة :

" وفكرت سريعا فى الخائن الذى يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل .. وجاءنى الجواب فى الحال .. فقد كان هنـاك رجـل أجنبى يسكن فى حجرة على السطح ، ولا شك أنه جاسوس ولمت نفسى لأنى غفلت عن تنبيه السلطات إليه .

ورأيت أن اصعد العمارة بنفسى دون أن أحدث أى ضجة .. وأقبض عليه وهو فى غفلة منى متلبسا بجرمه ..

وعندما دخلت من الباب كان البواب نائما ، وخلعت نعلى قبل أن أصل إلى السطح ، وكان أزيز الطائرات فوقى يصم الآذان .. ولمحت شيئا فى دثار أسود .. يرتكز فى براعة وتخف على حافة السور ويرسل الأضواء .. الحمراء .. والزرقاء .. من شىء فى يده ..

واقتربت الطائرة منا .. والقت قنبلة رهيبة على المطار .. وجن جنونى فى هذه اللحظة وسددت بندقيتى إلى الشبـح .. وأطلقت .. رصاصة واحدة .. وسمعت صرخة مكتومة وهوى الجسم على الأرض .. ولما اقتربت محاذرا وتبينت وجهه فى الظلام ذعرت .. لقد رأيت هيلين وفى يدها جهاز إشارة يرسل كل الأضواء ، فنـزعته منها ووضعته فى جيبى .. وغطيت جسمها بمعطفى ..

وأحسست بحركة على السلم .. فجريت نازلا لأصرف الصاعدين .. فى هدوء قبل أن يدرك إنسان ما حدث .. وكان على أن ادفن عواطفى فى جوف الصحراء قبل أن تشرق الشمس ..".

ويحكى الراوى فى قصة " الماس " عن إحدى السيدات خرجت ذات ليلة من بيتها تجرى وعلى صدرها رضيعها وفى يدها حقيبة صغيرة بها حليها ومصاغها ، بعد أن سقطت قنبلة فى الشارع المجاور ، وتنبهت بعد أن وقفت فى مكان آمن ، أن حقيبتها سقطت منها دون أن تدرى وبعد أن انتهت الغارة عادت إلى بيتها ، وقبل أن تبلغ مسكنها ، وجدت خادم العمارة يصعد خلفها ويقدم إليها الحقيبة ، وحينما أعطته بعض النقود لأمانته ، رفض، فتعجبت ، وقالت :

" إن القنابل ألتى يلقيها الأعداء من طائراتهم غاصت فى الارض .. ونبشتها وأظهرت الجواهر الخفية .. أظهرت الماس الكامن فى اعماقها .. أظهرت الجـواهر النقيـة الكامنــة فى النفوس والتى كان يغطيـها التراب .. "

وأعطى " أيزنهاور " اليهود فى إسرائيل لطمة قاسية ووضعهم فى حجمهم الطبيعى .

والذين كانوا بعيدين عن جو المعركة ، عن الأهل والوطن بآلاف الأميال ولايستطيعون أن يفعلوا شيئا ، وليس فى امكانهم أن يطلقوا رصاصة واحدة فى قلب الأعداء وقدر عليهم أن يكونوا سائحين يتنـزهون ووطنهم تشتعل فيه النار ، كانوا متلهفين على سماع أخبار بلادهم ، وسروا لما سمعوا خبر وقف القتال وأن الأعداء أخذوا يرحلون عن بور سعيد .
*****

ليست هناك تعليقات: