الأربعاء، ١٢ ديسمبر ٢٠٠٧

آثار الحرب العالمية الثانية على مدينة الإسكندرية

الإسكندرية

كانت الحركة فى الإسكندرية عادية جدا رغم قيود الاضاءة المفروضة ، والناس فى حركة دائبة والسكان يخرجون إلى دور السينما والملاهى المتناثرة على طول الكورنيش ، أو إلى المقاهى يستمعون فيها إلى اخبار الحرب ، ولا يغير من وجهها الضاحك سوى وجود الجنود الإنجليز والأمريكان بكثرة فى الشوارع ، وكان منظرهم فى ملابسـهم الرسمية وما يحدثونه دائما من ضوضاء وجلبة فى غدوهم ورواحهم ، يثير السخط فى نفوس الأهالى وينظرون إليهم بعين الكراهية .

وكانت الملاهى ممتلئة بالجنود الإنجليز والسكارى ، وفى ليالى الآحاد يكثر البحارة فى الحانات القائمة على جانبى شارع "البير" ويكثر مع وجودهم عراكهم وصخبهم ، وكانوا فى حالة فزع من الألمان ورعب مزق أعصابهم .

وفى الشوارع الضيقة المعتمة تلمح بعضهم سكارى يغنون وهم يترنحون ، وقد تنشب معارك رهيبة بينهم وبين الأهالى ، كما حدث فى شارع "البير" ، وأطلق فيها النار ، وكاد فيها أن يقبض على الراوى لولا أنه هرب واختفى فى أحد المساكن المجاورة لمكان الحادث واختفى عن الأنظار .

وكان معظم سكان العمارات الضخمة على الكورنيش من الجنود الإنجليز ، وترى فى الليل بعضهم يترنحون فى الشوارع من السكر أو فى صحبة من يقودهم إلى حيث النساء الساقطات .

وكان وجود فصائل من الجنود الإنجليز فى "أبى قير" يجعلهم دائما من ركاب القطارات الذاهبة إلى المدينة والراجعة منها .

وكانت قوافل سياراتهم تتحرك دوما فى الشوارع الرئيسية وهى حاجبة أنوارها والدبابات تتدحرج بعيون عمياء .

وكانت قطع من الأسطول البريطانى راسية فى مياه الإسكندرية فى عرض البحر ، ولكنها كانت لاترى بالعين المجردة ، كانت مختفية عن الأنظار .

وعندما دوت صفارة الانذار ، كانت بعض المجندات داخل السينما فى شارع شريف ، فتوقف العرض وظهر على وجوههن الاضطراب والخوف ، وتلقين من بعض الجنود اشارة فنهضن وخرجن متسللات ، وكانت هناك عربات مغلقة تجمعهن فى الشوارع .

واستيقظ الأهالى على صوت صفارة الإنذار ودوى المدافع وهى تصك الآذان والسماء تتأجج بنار الجحيم والأنوار الكاشفة تدور ألسنتها باحثة عن الطريدة . ثم تكف عن طلقاتها وتبلع الأنوار الكاشفة السنتها ويخيم صمت رهيب .

ثم تسمع أزيزا متقطعا ، وفى مثل خطف البرق تعود السماء تتأجج بالنيران ، وصوت القنابل وهى تدك الأرض ، ويتصاعد الصياح من كل جانب مع صوت النوافذ وهى تغلق ، ويخيل اليك أن المنازل المجاورة أخذت تنهار على من فيها ، وأن الجحيم فتحت أبوابها ، وكل شىء يميد ويلتهب فى السماء والأرض .

ضرب الألمان منطقة البحر ضربا شديدا ليغرقوا الاسطول الانجليزى ، وأصابت القنابل العمـارات فى شـارع الكورنيش فهوت وطارت بعض شرفاتها وتناثر زجاج نوافذها وأصابت الأهالى .

وخيم الهدوء على جبهة القتال ، وانتهت الحرب ورحل الجنود عن المدينة ، وتنفس الناس الصعداء.

ليست هناك تعليقات: