الجمعة، ١٧ أبريل ٢٠١٥



نشرت جميع أعمال محمود البدوى فى العنوان

الأربعاء، ١٢ ديسمبر ٢٠٠٧

مقدمة


نشرت جميع أعمال محمود البدوى فى العنوان
 
=====

مقدمة
عزيزى القارىء
تناولت فى هذا الكتاب أكبر الشرور التى تواجه الإنسـان على الأرض ، ساعدنى فى ذلك كثرة أعمال محمود البدوى القصصية ، وإشـارته عنها فى الكثـير منـها ، فاستوعبـتها وهضمتها ، وأخرجتها على الورق ، وهدفت من وراء ذلك ألا أصيب القارىء بالملل ، عندما يجلس ويستعد للقراءة ، متبعا فى ذلك ما قاله البدوى ، من أن الاعمال الجيدة تجذبك من سطورها الثلاثة الأولى .
وهى ليست معلومات صماء ، بل هى معلومات حية ، وكأنها متحركة تنبض بالحياة وتتحرك أمام عينى "من وجهة نظرى" حاولت فيها تصوير المواقف والأحداث ، بحيث يستطيع القارىء أن يلم بأحوال مصر والمصريين منذ سنة 1919 وحتى سنة 1973. ولم أضف اليها أية معلومة من خارج نطاق قصص البدوى ، ولم أستعن بأى مرجع ـ كما ترى بعد حديثى معك ـ فبعد كل عنوان إشارة إلى أسماء القصص التى رجعت اليها". وقد استخدمت أسلوب البـدوى الذى عبر به عن مشـاعره وأحاسيسه ، ولم يكن ذلك عن قصد ، ولكنه خرج من داخلى لكثرة قراءتى لأعمال هذا الفنـان الكبير ، وتأثيره فى نفسى ، وأكاد أن أكون قد حفظت أعماله كلها عن ظهر قلب ، أضف إلى ذلك ، أننى وجدت نفسى دون أن أشـعر ، أتغلـغل فى أعماقه ، واستطعت بإمكاناتى ، أن أرى الهدف والمقصود من وراء كل كلمة ، وكل جملة ، وما وراء السطور .
فلقد استخدمت أسلوبه السهل البسـيط ولغته العربية الجميلة ، فكتبت كما كان يكتب البدوى ، حتى تشـاركنى فى رؤية الحدث ، وكأنك عاصرته وعايشته واشتركت فيه .
واخترت فترات هامة فى تاريخ مصر ، لأبين يقظة الشـعب المصرى ، وأنه قوة هائلة لها تأثيرها ويصعب تدميرها ، بعدما حاق به من ظلم عبر قرون وقرون .
كان البدوى لايحب السياسة ويكرهها ، كما كرهها الإمام محمد عبده ، ولكنه كان ملما بالشئون السياسية ، ولم ينتم إلى حزب من الأحزاب ، ولم يدين بالولاء لمبادئ أى منها ، بل كان مصريا خالص المصرية ، ويتبين ذلك فى قصصه ، فهو لم يشر إلى شخصية وفدية أو سعدية أو خلافهما ، لأن البطل عنده ، هو مصرى خالص المصرية .
ولقد كان بعيد النظر فى تقديره للأمور ، وما عليه حال الأمة العربية ، انظر إلى ما قاله لصاحبتـه فى أول عمل أدبى له،"رواية الرحيل المنشوره فى عام1935" وكان عمره فى ذلك الوقت لا يتجاوز السادسة والعشرين .. قال :
"أفكر فى الشرق الحالم الراقد المستسلم لجبروت الغرب وظلمه وعدوانه ، يرى بعينيه الليث الكاسر يتوثب ليبتلعه ، وهو مع هذا راقد حالم خاضع ذليل ، كأنه لايبصر ولا يـرى ولا يدرك ولا يحس".على عبد اللطيفالنزهة الجديدة
1/5/2004
========================

محمود البدوى فى سطور

محمود البدوى فى سطور:

*ولد محمود البدوى فى قرية الأكراد مركز أبنوب بمديرية أسيوط فى 4ديسمبرعام 1908
*كان والده عمدة القرية ، ووالدته ابنة عبد المنعم التونى عمدة قرية أتليدم مركز ملوى بمحافظة المنيا "وكانت القرية تقع فى آخر حدود مديرية أسيوط".

*توفيت والدته وهو فى السابعة من العمر ، وكانت فى الثلاثين من عمرها .
قضى طفولته كلها فى الريف حتى حصل على شهادة الابتدائية من مدرسة أسيوط الابتدائية .
*التحق بالمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة وكان حريصا على قضاء كل إجازاته مع الفلاحين .
*التحق بكلية الآداب بالجامعة المصرية إبان عمادة الدكتور طه حسين لها ، وترك الدراسة وهو فى السنة الثالثة قسـم اللغة الإنجليزية وآثر أن يثقف نفسه تثقيفا ذاتيا ، فقرأ الأدب القديم والحديث ، والآداب الأجنبية بلغتها الأصلية .
*دخل الحياة الأدبية لأول مرة من خلال نقل الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية ، ونشرها فى مجلة الرسالة التى كان يصـدرها الأستاذ أحمد حسن الزيات منذ السنة الأولى لصـدورها عام 1933.
*سافر إلى اوربا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية عام 1934 وعاد من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة وكتب رواية قصيرة باسم "الرحيل".
*ساهم اسهاما حقيقيا فى التعبير عن آمال الشعب فى تغيير واقعه منذ صدور قصته الرحيل عام 1935.
*تناول حياة الريف والفلاحين وصور طبـاع أهل الصعيــد وأخلاقهم فى محاولة منه للنفوذ إلى أعمـاق الفلاح المصـرى وتبرير تخلفه وما يعانيه من قسوة الإقطاع . وبلغت قصصه التى كتبها عن الريف والفلاحين فى الصعيد تسعة وثمانون قصة .
*أدى دوره الوطنى بكتابة بعض القصص القصيرة فى المناسبات الوطنية والكفاح ضد الاستعمار الانجليزى وحروب 1948و1956و1967و1973.
*كتب ما يزيد على 389 ، قصة نشرت جميعها بالصحف والمجلات المصرية بالإضافة إلى المجلات المتخصصة كالرسالة والقصة والثقافة والأديب والهلال والمجلة والعصور والرواية ، ولا يدخل فى هذا الحصـر القصـص التى نشـرها بالصحف والدوريات العربية حيث لم يمكن حصرها "انظر الببليوجرافيا الملحقة بكتاب سيرة محمود البدوى .. بقلم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى مكتبة مصر 2000".
*صور بعض قصصه خلال رحلاته فى أوربا واليونان وتركيا ورومانيا والمجر والهند والصين وهونج كونج واليابان وسوريا وبانكوك وروسيا والجزائر والدنمرك ، وهى البلاد التى حركت مشاعره وأثر أهلها فى عقله ووجدانه .
*له كتاب واحـد فى أدب الرحـلات عن رحلته إلى الصـين واليابان وهونج كونج "مدينة الاحلام" .. (الدار القومية للطباعة والنشر 1963).
*كان كثير الأسفار فقد طاف بأوربا وآسيا وبعض البلاد العربية والأفريقية فى رحلات ثقافية وغير ثقافية وانعكس أثر هذه الأسفار عليه ككاتب يؤمن بالإنسان ويهتم به فى كل بقاع الأرض ، وصوره فى كتاباته .
*أطلق عليه بعض النقاد والدارسين لقب " تشيكوف العرب " ولقب "راهب القصة القصيرة" ولقب "فارس القصة القصيرة".
جوائز الدولة

*منح ميدالية الإنتاج الأدبى والفنى من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب لمساهمته بقلمه فى معركة بور سعيد عام 1956.
*منح جائزة الجدارة فى الفنون عام 1978.
*منح جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1986.
*منح اسمه بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1988.
وفاته
*توفى فى 12 فبراير 1986.

مكتبته الخاصة
فى شـهر سبتمبر من عـام 1999 أهدت إبنتـه ليـلى ووالدتها مكتبته الخاصة للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ، وتضم مجموعات قيمة من الكتب الأدبيـة ودواوين الشـعر والروايات والقصص العربية والأجنبية ، وكذلك جميع الكتب المهداة بخط زملائه الأدباء ، لتكون تحت نظر الباحثين والدارسين فى فنون الأدب .

========================






الفصل الأول : ثورة الصعيد سنة 1919

ثورة الصعيد سنة 1919
ضد الاحتلال البريطانى
فى
قصص محمـــود البدوى



"كنـا نحارب كما يحارب الثـوار من غيـر نظـام ولا قيـادة .. ومـع هـذا فقـد فـكرنا فى أن نفعـل مـا يفعـله المحاربون فى الميدان حقا .. "

*****

كتب محمود البدوى احدى عشرة قصة ذكر فيها القليل من أحداث الثورة (عدا قصتين الحدث فيهما كثير) .

وقدم لنا فيها شخصية رجل الصعيد ، الشخصية القوية المتماسكة التى تأبى الذل والاضطهاد ولاتعرف مشاعر الخيبة ، وتغير من الواقع المحيط بها .

وقد جاءت تلك القصص تعبيرا عن تأثره بابطال المقاومة من شـباب الصعيـد ، والتى عبر عنها على لسـان إحدى شخصياته ، بقولها :

" أنت لا تستطـيع أن تغير الـدم .. الـدم الجـارى فى عروقـك ، أن تمحـو أثر البيـئة ، وأنت تتعـلم وتتهـذب وترقى ، ولكن دمـك سيظل عربيـا ، لأنك ولـدت فى النجـع ، ونشــأت فى النجـع ، وفى هذا الجـو الطليـق عشـت ، وتنفست أول نسـيم الحياة .. "

ومن خلال الأحداث التى حدثت أستطيع أن أحكى قصة الثورة

قصة ثورة 1919

قصة الثورة

اشتـعلت وانطلقت الثورة المصرية فى سنة 1919 فجأة دون إنذار ، فى كل مكان مرة واحدة ، فى طول البلاد وعرضها ، من الإسكندرية إلى أسوان وروع الناس من وقع المفاجأة ، وتعطلت المواصلات ، وتقطعت السكك الحديدية ، وتوقفت الأعمال فى كل مكان ، وشغل الناس بحـرب الإنجليـز قبـل كل شئ .

كان الإنجليـز يحتـلون المنطقة الواقعـة حـول خزان أسيوط ، ويعسكرون فى المنتـزه وفى المدرسـة الثـانوية .

ونشبت المعركة بين المصريين والإنجليـز ، وبدأت بإطلاق النيران على معسكراتهم الواقعة فى غرب الخزان ، وتحصن الإنجليـز فى المدرسة الثانوية ، ووضعوا خير قواتهم عند الخزان ، وتحصـنوا وراء الأحجـار المعـدة لتدعيم الخزان .

وكان الأهالى يرابطون فى قرية " الوليدية " المجاورة للمدرسة والقريبة من الخزان ، على مبعدة أمتـار منهم فقط ، وأخذوا يصلونهم بالنار ، ويطلقون بمقدار ، لانهم يعرفون أن المعركة ستطول ، وهم فى حاجة إلى الذخيرة والرجال المدربين على القتال ، وأرسلت اليها القرى المجاورة أحسن رجالها الشجعان ، وأتى اليها الرجال من كل صوب على ظهر المراكب الشراعية الصغيرة والكبـيرة .

وحـارب الرجال كما يحارب الثوار من غير نظام ولا قيادة ، فكانوا يحاربون بفراسة الرجال الشجعان ، وفعلوا كل ما يفعله القائد المدرب فى الحـرب ، وما يفعله المحـاربون فى الميدان ، فحاصروا المعسكر من الشمال والجنوب ، ورابطوا فى النهر ، وقطعوا عنهم المدد عن طريق السكة الحديد ومن كل طريق ، وفكروا فى قطع الخط الحديدى عند قرية "منقباد" .

وفى قرية صغيرة على الضفة الشرقية للنيل ، اجتمع أكثر من خمسمائة رجل من مختلف القرى ، مسلحين بالبنادق القديمة والحديثة والخناجر والعصى والحراب ومعهم خيولهم وجمالهم وحميرهم ، وأكثرهم من الرجال الشجعان الذين يقطنون فى الجبل الشرقى ، وكانوا يرتدون الجلابيب السمراء والزرقاء ، ويعصبون رؤوسهم ويتمنطقون بالأحزمـة الجلدية المليئة بالرصاص والخرطوش .

ونحرت الذبائح ، وقـدم الطعـام ، وتعشـوا على الطـبالى 00 خمسة .. خمسة ، وكانوا يتحدثون فى حماسة بالغة وهم يلتهمون الطعام ، وعيونهم تبرق ، ويمسحون أفواههم بأطراف أكمامهم .

وعندما وقف واحد من الطلاب يتحدث عن الاستعمار والبـلاء الأسود النازل بالبلاد ، كانوا ينصتون فى سكون وعيونهم تلمع ووجوههم منفعلة من فرط الغضب ، ثم أخذوا يعمرون البنادق ويشحذون الأسلحة .

وفى أخريات الليل والظلام شاملا ، والسكون رهيبا ، عبر الرجال النيل إلى الضفة الغربية ، وهناك انقسموا إلى فرق صغيرة ، اتجه بعضها إلى الخزان ، وذهبت فرقة مكونة من ثمانية عشر رجلا من الرجال الأشداء إلى " منقباد " لتقطع الشريط الحديدى ، وسارت حذاء النيل على الرمال الناعمة .

ويقول الراوى وهو يصـف تلك المهـمة فى قصـة " حدث ذات ليلة " :

" ثم انحرفنـا عن الطريق السوى ، وسرناوسط الحقول ، وكانت السماء كابية ، والريح تزار فى أخصاص " البوص " التى مررنا بها ، ولما صعدنا المنحدر ، واقتربنا من الخط الحديدى ، بدا صوت اقدامنا يسمع بوضوح فى هذا السكون العميق وتقدمنا فى قلب الليل ، ولما بلغنا الجسر كان الشريط يلمع ملتويا فى الظلام ، وكانت أعمدة البرق وأسلاك التليفون تهتز والريح تصفر فى جنبات الوادى المقفر ، وعندما أخذت أرجلنـا تضرب على الزلط الذى يتخلل القضبان ، شعرت بعظم المهمة الملقاة على عاتقى ، وانتابتنى الرهبة ، وأخذت المكان بنظرة خاطفة ، وأعطيت الإشارة للرجال ، وبدأت المعاول تعمل وبعد قليل فرغنا من مهمتنا وقفلنا راجعين ، وتفرقنا فى قلب الليل كالذئاب بعد أن تنفض مخالبها من الفريسة " .

ولما شعر الإنجليز بأن الثورة انتقلت من أسيوط إلى الشـرق وأن العرب تحركوا من هناك لقتالهم ، نصبوا المدافع الرشاشة على الخزان ، وفتحوا الطبلية ، حتى يقطعوا الصلة بين الشرق والغرب ويمنعوا المدد .

ولما رأى الثوار من عرب الشرق ، الذين يقاتلون منذ بدأت المعركة فى قرية " الوليدية " ( تقع فى الناحية الغربية من النيل ) المدافع الرشاشة منصوبة على الخزان ، والكمين الذى أعده الإنجليز ليحصدوا به كل من اقترب من الهويس ، إجتمع قواد المعركة ، وقرروا ان تهاجم فرقة من خيـار الرجـال المسـلحين بأحدث أنواع الأسلحة الموقع من كل الجهات ، ويتسلل قبل الهجوم خمسة من الفدائيين إلى الموقع من الخلف ويتسلقون السـور فى غلـس الليل ، وقبل الفجر يعطون إشارة الهجوم باطلاق أول طلقة .

وبدأ القتال واشتد ، ولكن لم يسكت مدفع واحد من المدافـع الثلاثة ، كانت محصنة تحصينا منيعا بالأحجار وأكياس الرمل ، وبعيدة عن مرمى المقاتلين من الثوار .

وسقط سبعة من الرجال المهاجمين ، وحوصـر الذين تسـللوا من الخلف ، وساءت الأحوال عندما علم المصريون أن رشوان ، قائد من قواد الثوار ، قتل فى المعركة ، وتوقف الهجوم فى الغروب .

وغير الثوار من طريقة الهجـوم ، فتسللت فرقة فى الليـل من بين الحجـارة ، وأصبحت قريبة من الموقع ، وتقدمت أخرى نحو الهويس ، وكمن الآخرون فوق النخيل على بعد أمتار منهم .

وطوقـت داورية إنجـليزية الرجـال الذين تقـدموا الصـفوف وحاصرتهم ، وأطلقت النـيران من فوق النخيـل على الداورية تحصد رجالها ، ثم تتجه إلى المدافع المنصوبة على الخزان فتسكتها ، وكـانوا على وشك إبادتهم جميعا ، ورفع العـلم الأبيض على الهويس ، وأدير الكوبرى ، ومرت الجمـوع تقرع الطبـول ، وتقدم الثوار بالمراكب وبالبنادق والحراب من البر الشرقى وبالخيول المسرجة وعليها الفرسان تجرى فى اتجاه الريح .

وفى أثناء انتصارهم الباهر ، ظهرت فى اليـوم الخامس طيارة فى السماء قادمة من القاهرة ، ولم يكن لهم بها عهد ، ولا يعرفون عنها شيئا ، وأخـذت تغير فوق رؤوسهم ، وتلـقى القنـابل على غـير هـدف ، فتغير الموقـف ، وذعر النـاس ، وحمـلوا بنادقـهم فى أيـديهم ، وتفرقوا ، وطاروا على وجوههم فى الأرض ، وأخذت المراكـب الشراعية تعود بالمحاربين إلى ديارهم ، وكان الوجوم والتعاسة والخيبة المرة مرتسمة على الوجـوه ، وكانوا وهم الشبان الأشـداء يغلون غيـظا ولا يدرون علة هزيمتهم ، لقد بدأوا المعركة كجنود من الطراز الأول ، وعندما كفوا عن النار ، خيل إليهم أنهم قد انتهوا ، ولكنهم لم يلقوا السلاح .

وخمدت الثورة فى القاهرة ، وأرسـل الإنجليز فرقـة جديـدة إلى أسيوط ، رابطت عند الخزان فى حديقة كبيرة هناك ، وانطلقوا يفتشون القرى فى الشرق باحثين عن الأسلحة ورجال الثورة ، وكانوا يخرجون من معسكراتهم فى الليل سكارى ويشتبكون فى عراك مع الأهالى .

وفى الطريق المنحـدر إلى النيـل ومنـه تنـزل الفـلاحات لملء جرارهن ، عابث بعض الجنود النساء الخارجات من المـاء ، وطـارت النسـوة مذعـورات وتركن الجـرار تسقط وتتهـشم ، وأمسـك واحـدا منـهم بواحـدة من يدهـا وهـم بتقبـيلها وهى تصـرخ وتستغيث .

وتجمع الأهالى واشتبكوا فى عراك دموى مع الإنجليز ، وأخرج أحد الجنود مسدسا وأخذ يطلق النار كالمجنون ، وكان الأهالى عزلا من السلاح ، وجاءت طلقة أصابت الجندى وسقط .

وأطلق الإنجليز النار فى كل اتجاه ، وفرغت الشوارع من المارة بعد دقيقة واحده ، وأخذ الظلام يشتد ، وخيم سكون القبور على كل شىء .

ملخص قصة الرجل الأشول



ملخص قصة الرجل الأشول

يقص علينا البدوى ، واقعة خروج جنديان إنجليزيان من المعسكر فى مدينة أسيوط عقب ثورة 1919 ، وانطلقا وأوغلا فى السـير على الخيل حتى دخلا القرى التى توجـد شرق الخزان ، وفى اثناء عدوهما ، دهس أحد الراكبين غلاما فقتله ، وقبـل أن يغـادر القرية ، انطلقت رصاصة من مسافة بعيدة أصابت قلب القاتل فسقط على الجسر .

وحوصرت القرية ، وضرب أهلها بالكرابيج ، وقبض على من يمت للغلام القتيل بصلة ، ورغم هذا لم يستدل على الفاعل .

وقامت السلطات بإيفاد أحد الضباط المصريين من القاهرة ، اشتهر بكراهيته الشديدة للمصريين فى أيام الثورة ، وجاء على رأس جنـود بلوك الخفر ، فأخذ يجمع السلاح من كل بيت فى القرية ـ وحتى يكون الإذلال تاما ـ بدأ بالأعيان وبالرؤوس ، وكان أسلوبه فى جمـع السلاح ، هو أن يحلف الرجـل على المصحف ، فإذا أخرج ما عنده تركه ، وإذا لم يكن لديه سلاح ، شد الجنود وثاقه ، وعلقوه فى حـديد الشــباك ، وأخذوا يضربونه ضربا مبرحا حتى يغمى عليه .

وأخذ الضابط يعـاين السـلاح المنـزوع من الأهالى ويقوم بتجربتـه ، وأصابه الزهو والغرور بعـد أن كتـب اسمه على الحائط بطلقـات الرصاص ، وسمح للأهالى بمشاركته ، ولكن لم يبلغ شأوه أحد .

وحينما قرر أن يقف أحد الخفراء فى الساحة بجوار حائط الـدوار ويخلع لبدته وتوضع على رأسه بيضة ليقوم بالتصويب عليها ، واستعد ليضرب ضربته ، انطلقت رصاصة ، أطارت البيضة ، من بندقية حسين الاشول ، الذى كان يقف وحده وراء الساحة ، وظل فى مكـانه أكثر من دقيقة يرقب القوم بعينى صقر ، ثم وضع البندقية على كتفه وبارح المكان .

وتقول نهاية القصة : "وفى ساعة الظهر ، رأى الضـابط من نافذة السيارة .. نفس الرجل الاشول .. يهبط بحمل صغير التل .. وعلى كتفه نفس البندقية .. فوضع الضابط يده على مسـدسه .. وأخرجه من جيبه .. وهو يتابع الأشول ببصره .. ومرت لحظة رهيبة .. شعر الضابط بيده تعيد المسدس إلى مكانه ..

ولما انطلقت السيارة فى أقصى سرعتها ، وغاب الرجـل عن بصره .. كان الضابط يسائل نفسه فى تعجب :

" لماذا لم يقبض على الرجل .. بعد أن تيقن أنه هو الذى قتل العسكرى الانجليزى .. لماذا .. ؟ ولماذا حتى لم يجرده من سلاحه ؟ ".